الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: البيان والتحصيل والشرح والتوجيه والتعليل لمسائل المستخرجة
.مسألة له بئر عليها زرع ونخل فانهار بئره ولجاره فضل ماء: ومن كتاب البراءة:وسئل عن رجل كانت له أرض قريبة من ماء قوم فغرس بمائهم ونبتت عليه الشجر وهم يعلمون، ثم إن أصحاب الماء أرادوا أن يحبسوا ماءهم، فقال صاحب الغرس: تركتموني حتى غرست، ثم تريدون أن تحبسوا عني، وقال أصحاب الماء: إنما غرست عليه وهو ماء لا أستطيع حبسه، قال: ليس لأصحاب الماء أن يحبسوا ذلك عنه إلى أجل يُضرب له لاحتفار بئر أو استنباط عين إلا أن لا يكون في الماء فضل عن حاجة أصحابه وإنه إن كان أخذ من مائهم شيئا دخل على أصحاب الماء الضرر والهلاك في غللهم فيكونوا أولى بمائهم، ولقد سمعت مالكا قال في رجل كانت له بئر عليها زرع ونخل فانهار بئره ولجاره فضل ماء، قال: أرى أن يقضى له على جاره بفضل مائه حتى يصلح بئره بلا ثمن ولا شيء، فهذا يشبهه. قال ابن القاسم: ولو لم يعلموا بذلك فأرادوا صرف مائهم، وفي مائهم فضل أنه إن كان ليس لهم في الفضل منفعة رأيته أولى به، قال: وإن كان لهم فيه منفعة فهم أحق بمائهم، قال: وليس له في ذلك قول وإن باعوه إلا أن يرضوا أن يبيعوه منه، قال عيسى: أرى أهل الغرس أولى بالماء بالثمن الذي يبيعه به أهله.قال الإمام القاضي: قوله فغرس بمائهم يريد فغرس بفضل مائهم، وقوله: ثم إن أصحاب الماء أرادوا أن يحبسوا معناه أرادوا أن يحبسوا فضل مائهم، إذ لا اختلاف في أن الرجل أحق بجميع مائه إذا لم يكن له فيه فضل عما يحتاج إليه، وإنما القول فيما فضل عن حاجته، فإن لم يكن لغيره إليه حاجة إلا ما يريده من ابتداء الانتفاع به بزرع أو خضر يزرعها عليه أو نخل يغرسها عليه فلصاحبه أن يمنعه منه إلا بثمن يواجبه عليه وجد فيه ثمنا عند سواه أو لم يجد، وأما إن كانت لغيره إليه حاجة لسقي نخل قد كان غرسها عليه فنبتت به فإن كان ذلك بعلم صاحب الماء كان أحق به بغير ثمن إلى أن يحفر بئرا أو يستنبط عينا وجد صاحبه به ثمنا عند سواه أو لم يجد، وإن كان ذلك من غرسه النخل على فضلة ذلك الماء بغير علم صاحب الماء كان أحق به بغير ثمن إلى أن يحفر بئرا أو يستنبط عينا إن لم يجد صاحبه فيه ثمنا عند سواه، وإن وجد فيه ثمنا عند سواه كان أحق بفضلة مائه يبيعها ممن شاء، وما لم ينفذ البيع فيه فهو أحق به بالثمن الذي يعطي غيره به على ما قاله عيسى بن دينار، فهذا معنى قوله عندي لا أنه يكون له أن يأخذه بعد نفوذ البيع بالثمن كالشفعة، وسيأتي في سماع محمد بن خالد إذا غرس على فضل مائه بعطية منه، وأما إن كانت لغيره حاجة إلى أن يسقي به نخلا أو زرعا قد كان زرعه أو غرسها على أصل ما كان له من بئر فانهار أو عين فجفت فإنه يقضي له به إلى أن يصلح بئره، قيل بثمن وقيل بغير ثمن، والقولان في المدونة، ومعنى ذلك عندي إذا كان يجد له ثمنا عند سواه، وأما إن لم يجد له ثمنا عند سواه فيقضي له بغير ثمن قولا واحدا، وقد قيل: إن ذلك ليس باختلاف من القول، وإنما معناه أنه يقضى له به بغير ثمن إذا لم يوجد له ثمن عند سواه وبثمن إذا وجد له ثمن عند سواه، والأظهر أن ذلك اختلاف من القول إذا وجد له ثمن عند سواه، ووجه هذا الاختلاف اختلافهم في تأويل قول النبي عَلَيْهِ السَّلَامُ: «لا يمنع نقع بئر ولا رهو ماء» فمن حمله على هذا الموضع قال: إنه يقضى له به بغير ثمن، ومن حمله على البئر يكون بين الشريكين يسقي به هذا يوما وهذا يوما فيروي أحدهما حائطه في بعض يومه ويستغني عن الماء بقية يومه أنه ليس له أن يمنعه من شريكه في بقية ذلك اليوم، قال: إنه يقضي له به بالثمن، فهذا تحصيل القول في هذه المسألة، والله أعلم..مسألة الرحى تكون بين النفر فتنهدم وتخرب فيدعو أحدهم إلى عملها ويأبى ذلك بعضهم: من مسائل سئل عنها عيسى بن دينار وسئل عيسى عن الرحى تكون بين النفر فتنهدم وتخرب فيدعو أحدهم إلى عملها ويأبى ذلك بعضهم، قال: يقال لمن أبى منهم العمل إما أن تعمل معه وإما أن تبيع ممن يعمل معه، يجبر على ذلك، وكذلك قال مالك.قلت: فلو عمل بعضهم فأنفق فلما تمت وطحنت قال الذي لم يعمل: هذا نصف ما أنفقت وأكون على حظي منها، قال: ذلك له ويكون على حظه منها مبنيا.قلت: فلو كان العامل اغتل منها غلة كثيرة قبل رده إليه ما أنفق لمن تكون تلك الغلة؟ قال: قد اختلف في ذلك، فقال محمد بن إبراهيم بن دينار المدني: يكون للعامل منها بقدر ما أنفق وما كان له فيها قبل أن ينفق ويكون للذي لم يعمل بقدر ما كان بقي له من قاعتها وبقية سدها وحجارتها وما كان فيها من صلاح، وأما ابن القاسم فقال لي مرة: الغلة كلها للعامل دون من أبى أن يعمل معه حتى يعطي قيمة ما عمل، وهي بمنزلة البئر يغور ماؤها أو ينهدم منها ناحية فيريد أحد الشريكين العمل ويأبى صاحبه، فيقال لمن أبى أن يعمل: اعمل معه أو بع ممن يعمل، فإن أبى وخلى بينه وبين العمل وحده كان الماء كله للعامل حتى يدفع إليه نصيبه من النفقة، فكذلك الرحى، قال عيسى: وبهذا القول رأيت ابن بشير يحكم، ثم قال لي ابن القاسم في الرحى: يحاصه بما اغتل فيما أنفق، ولو كان لم يرد عليه نصف ما أنفق حتى اغتل منها جميع نفقته لرجع هذا في حظه ولم يكن عليه شيء. قال عيسى: والذي آخذ به في ذلك أن تكون الغلة كلها للعامل ويكون عليه للذي لم يبن كراء نصيبه من قاعة الرحى وما كان فيها باقيا من العمل فإن أراد الدخول معه فيما بنى دفع إليه ما ينوبه من قيمة العمل الذي في الرحى قيمته يوم يدخل معه وليس يوم عمله ولا قدر ما ينوبه من النفقة التي أنفق فيها إلا أن يكون ذلك بحدثانه. قال: وبلغني عن ابن وهب أنه قال في الغلة مثل قول ابن دينار أن يكون للعامل من الغلة بقدر ما أنفق فيها وما كان له منها وللذي لم يعمل بقدر ما كان له من قاعتها وباقي غلتها، وتفسير ذلك أن تقام الرحى غير معمولة وتقام معمولة فإن كانت قيمتها قبل أن تعمل عشرة وقيمتها بعد العمل خمسة عشر كانت ثلث الغلة للعامل وثلثاها بينه وبين شريكه، ويكون على الذي لم يعمل ما ينوبه من أجر العامل في قيامه بعملها، ثم إن أراد الذي لم يعمل أن يدخل مع الذي عمل في الرحى دفع إليه ما ينوبه من قيمة الرحى على قدر حظه منها قيمته يوم يدفع ذلك إليه وليس ما ينوبه من النفقة الأولى ولكن قيمته يوم يدخل معه، وقال يحيى بن يحيى مثله كله في اقتسام الغلة ورد القيمة، وقال: به آخذ، قال: وقد سمعت ابن القاسم يقول غير ذلك.قال محمد بن رشد: قوله في أول هذه المسألة إنه يقال لمن أبى أن يعمل إما أن تعمل معه وإما أن تبيع ممن يعمل معه يجبر على ذلك قد مضى القول عليها مستوفى في أول سماع ابن القاسم فلا معنى لإعادته، وقول محمد بن إبراهيم بن دينار المدني: إن العامل يكون له من الغلة بقدر ما أنفق وما كان له منها قبل أن ينفق ظاهره أن الغلة تفض على منتهى نفقته وقيمة ما كان له من أصل الرحى وعلى قيمة ما كان للذي لم يعمل من أصل الرحى بأن ينظر كم نفقته التي أنفق في الرحى وكم قيمة قاعة الرحى على ما كانت عليه قبل النفقة فإن كانت النفقة عشرين وقيمة قاعة الرحى قبل النفقة عشرين كان للعامل ثلاثة أرباع الغلة خلاف التفسير الذي فسر الراوي بقوله بأن تقام الرحى غير معمولة وتقام معمولة فإن كانت قيمتها قبل أن تعمل عشرة وقيمتها بعد العمل خمسة عشر كان للعامل ثلثا الغلة وللذي لم يعمل الثلث إذ لو أراد ذلك لقال: إن العامل يكون له من النفقة بقدر ما زادت نفقته في الرحى وبقدر ما كان له فيها قبل النفقة. وقول عيسى بن دينار إن الذي لم يعمل إن أراد الدخول مع الذي عمل فيما عمل يدفع إليه ما ينوبه من قيمة العمل الذي في الرحى قيمته يوم يدخل معه وليس يوم عمله ولا قدر ما ينوبه من النفقة التي أنفق إلا أن يكون ذلك بحدثانه مفسر لقول ابن القاسم الأول الذي قال فيه: إن الغلة كلها للعامل دون من أبى أن يعمل معه حتى يعطي قيمة ما عمل، ولم يبين إن قام عليه بحدثان ما عمل هل يكون عليه أن يعطيه ما ينوبه من النفقة التي أنفق أو من قيمتها، وفي ذلك قولان قائمان من المدونة: أحدهما أنه ليس له أن يدخل معه إلا أن يعطيه ما ينوبه من مبلغ النفقة التي أنفق، والثاني أنه لا يلزمه أن يدفع إليه إلا ما ينوبه من قيمة النفقة، إذ قد يغبن في استئجار الأجراء وفيما ابتاع من متاع الرحى، وأما إن أراد الدخول معه بعد أن بلي البنيان فلا يلزمه أن يدفع إليه إلا ما ينوبه من قيمته على حالته التي هو عليها من البلى قولا واحدا، ووجه العمل في ذلك أن يقال: كم قيمة الرحى اليوم على ما هي عليه من البنيان القديم، وكم كانت تكون قيمتها اليوم لو كان هذا البنيان الذي فيها جديدا فينقص ما بين القيمتين من النفقة التي أنفق أو من قيمتها على الاختلاف الذي ذكرناه في ذلك فما بقي كان عليه ما ينوبه منه، وقد قيل: إن ذلك يرجع إلى أن يكون عليه ما ينوبه مما زادت قيمة الرحى بالبنيان على ما هو عليه بأن تقام خربة وعلى ما هي عليه فيكون عليه ما ينوبه مما بين القيمتين إلا أن يكون ذلك أكثر من قيمة ما أنفق فلا يكون عليه أكثر من قيمة ما أنفق، وكذلك حكى ابن حبيب في الواضحة عن مطرف أنه يكون عليه الأقل من قيمة البنيان أو من قيمة ما أنفق، ولا خلاف في أنه لا يلزمه أن يعطيه أكثر مما أنفق، فليس قول عيسى بن دينار بخلاف لقول ابن القاسم الأول إلا فيما ذكر من أنه يقوم عليه للذي لم يبن كراء نصيبه من قاعة الرحى لأن ابن القاسم لا يرى عليه في ذلك كراء. ووجه قوله أن الرحى مهدومة لا كراء لها، وإنما صار لها كراء ببنيانه فوجب ألا يكون عليه في حظ شريكه كراء، ووجه قول عيسى بن دينار أن الكراء فيها موجود إذا أكريت على أن يبني وقد بناها العامل وانتفع بها، فوجب عليه أن يكون في حصة شريكه الكراء، وهو أظهر، والله أعلم. وقوله في آخر المسألة: وقال يحيى بن يحيى مثله في اقتسام الغلة يريد مثل قول ابن دينار، وقوله: وقد سمعت ابن القاسم يقول غير ذلك يريد أحد قوليه المتقدمين، إما أن تكون الغلة كلها له حتى يأتيه شريكه بما ينوبه من قيمة ما عمل من التفسير الذي ذكرناه، وإما أن يحاصه بما اغتل فيما أنفق، وقد روي عن ابن القاسم في المسألة قول ثالث وقع له في المبسوطة، وهو الفرق بين أن تكون الرحى مهدومة فيبنيها أحد الأشراك أو تكون قائمة فينخرق سدها وتتعطل الرحى بسبب ذلك فيأبى أحد الشريكين أن يصلحه ويصلحه الآخر فقال: إنه يحاص بما أنفق في إصلاح السد بما اغتل بخلاف إذا كانت الرحى مهدمة، فتحصيل الخلاف في هذه المسألة أن فيها ثلاثة أقوال: أحدها أنه يحاص بالنفقة في الغلة كانت الرحى مهدومة أو انخرق سدها، والثاني أنه لا يحاص بالنفقة في الغلة في الوجهين، والثالث الفرق بينهما فإذا قلت: إنه لا يحاص بالنفقة في الغلة ففي حكم الغلة ثلاثة أقوال: أحدها أنها تكون كلها للعامل إلى أن يريد الشريك الدخول معه فيأتيه بما يجب عليه في ذلك على التفسير الذي ذكرناه ولا كراء عليه في حظ شريكه من الرحى، وهو قول ابن القاسم، والثاني أن الغلة تكون للعامل أيضا ويكون عليه كراء حصة شريكه من الرحى وهو قول عيسى بن دينار، والثالث أن الغلة تكون بينهما فيكون للذي لم يعمل منهما بقدر قيمة حظه من الرحى على ما كانت عليه، وللذي عمل بقدر حظه منها أيضا وبقدر عمله على الاختلاف الذي ذكرناه في تأويل ذلك إلى أن يريد الشريك الدخول معه فيأتيه بالواجب عليه فيما عمل على ما ذكرناه من التفسير في ذلك، وبالله التوفيق..مسألة يكون له رحى قد خربت فيريد أن يعامل رجلا على عملها ومرمتها: وسئل عيسى عن الرجل يكون له رحى قد خربت أو منصب رحى فيريد أن يعامل رجلا على عملها ومرمتها ما يجوز في ذلك؟ فقال: يجوز في ذلك أن يقول له: ابن لي رحائي هذه على صفة كذا وكذا، بصخر كذا وكذا وخشب كذا وكذا فيصف له جميع بنيانها فإذا تمت فنصفها لي ونصفها لك من أصلها أو ثلثاها لي وثلثها لك من أصلها أو كائن ما كان من الأجزاء، فهذا الجائز، أو يقول: ابن لي رحائي هذه على صفة كذا وكذا أو أنفق فيها كذا وكذا وهي لك بذلك كذا وكذا. سنة فيجوز ذلك أيضا، وقال حسين بن عاصم مثل ذلك إلا أنه قال: لا يجوز ذلك إلا في النهر المأمون.قلت: فلو قال له: ابن لي رحائي هذه على صفة كذا وكذا فإذا تمت فغلتها بيني وبينك، أو لك من غلتها يوم وليلة في كل جمعة، فعمل العامل على ذلك واغتلاها زمانا جميعا، ثم تبين لهما أن ذلك لا يصلح، كيف يصحح مثل هذا؟ فقال: يكون للعامل فيه قيمة ما أدخل في الرحى من صخرها وحجارتها وخشبها قيمته يوم أدخله في الرحى، وتكون له أجرته فيما اشتغل في ذلك وقيمة عمل من عمل في الرحى من الأجراء وغيرهم، وتكون الغلة كلها لرب الرحى، يرد العامل إليه ما وصل إليه منها، إن كان الذي أخذ منها طعاما فمكيلته، وإن كان دنانير أو دراهم فعدتها. وإن كان لا يعرف مكيلة ما أخذ من الطعام غرم قيمة خرص ذلك ولا يغرم مكيلة الخرص، قال: وذلك لأن رب الرحى استأجر العامل على عمل الرحى واشترى منه أداتها بأمر غرر لا يجوز فصار للعامل قيمة ما أدخل في الرحى وأجرة عمله، وصارت الغلة كلها لرب الرحى يرد العامل ما أخذ مما لم يجز له ويعطى ما يجوز له من قيمة عمله بمنزلة ما لو قال له: اعمل لي رحى في هذه فإذا تمت فلك نصف غلة رحائي هذه الأخرى، أو لك يوم من غلتها كل جمعة، أو لك ثمر جناني هذه قبل أن يحل بيعها، فهذا إذا وقع وفات كان له قيمة ما أدخل في الرحى وأجرة عمله لأنه اشترى منه الصخر والحجارة وما أدخل في الرحى من الخشب والأداة واستؤجر على عمله بأمر لا يجوز فهو يعطى ما يجوز ويرد الذي أخذ مما لا يجوز له. قال يحيى: سألت ابن القاسم عن ذلك فقال لي: تكون الغلة كلها للعامل ويكون عليه كراء قاعة الرحى، ويكون له قيمة عمله منقوضا، قال يحيى: والذي آخذ به أن يعطى قيمة عمله قائما تاما.قال محمد بن رشد: لا اختلاف أحفظه في المذهب في أن المعاملة في منصب الرحى على إقامتها وعملها بجزء منها جائز إذا كان العمل موصوفا محدودا، كان النهر مأمونا أو غير مأمون حسبما مضى القول فيه في رسم شهد من سماع عيسى، ولا في أن المعاملة على عملها بغلتها بعد تمام عملها مدة معلومة جائزة أيضا إذا كان النهر مأمونا على ما قاله حسين بن عاصم ولا في أن المعاملة فيها بجزء من غلتها دون شيء من أصلها لا يجوز كان النهر مأمونا أو غير مأمون، واختلف إذا وقع ذلك فلم يعثر عليه حتى فات بالعمل هل يحكم له بحكم الإجارة الفاسدة أو بحكم الكراء الفاسد إذ لم ينصا في معاملتهما كراء ولا إجارة، ولو نصا فيها كراء أو إجارة لكان الحكم فيها على ما نصاه دون خلاف، فقال عيسى بن دينار: إن الغلة كلها تكون لرب الرحى يرد إليه العامل ما أخذ منها، ويكون له إجارة مثلها فيما عمل وقيمة ما أدخل فيها من الخشب والحجارة والأداة على حكم الإجارة الفاسدة، لأنه رأى البناء على ملك رب الرحى، وروى يحيى عن ابن القاسم أن الغلة كلها تكون للعامل يرد عليه رب الرحى ما أخذ منها، ويكون له على العامل كراء قاعة الرحى على حكم الكراء الفاسد، لأنه رأى البناء على ملك بانيه، واختلاف ابن القاسم ويحيى بن يحيى في قيمة البنيان هل يكون له قائما أو منقوضا وجهه أن ابن القاسم لم يعذر الباني بالجهل بفساد المعاملة فجعله كالباني في ملك غيره بغير شبهة، إذ بنى وهو يعلم أنه متى قيم عليه فسخت المعاملة بينهما وأخرج عن الرحى فلم يوجب له إلا قيمة بنيانه منقوضا، وسواء على هذا عثر عليه بالقرب أو بعد أن طالت المدة، وعذره يحيى بن يحيى بالجهل فأوجب له قيمة بنيانه قائما كمن بنى فيما يظن أنه ملكه فاستحق من يده بقرب ذلك أو بعد أن طالت المدة، وهذا عندي فيمن يشبه أن يجهل ذلك وإلا يضر بجهله، وأما العالم الذي لا يشبه أن يجهل ذلك فلا يجب له إلا قيمة بنيانه منقوضا عندهما جميعا، والجاهل الذي لا يشبه أن يعلم ذلك له قيمة بنيانه قائما عندهما جميعا، وقد قيل: إن هذا الاختلاف إنما يصح إذا طالت المدة إلى القدر الذي يرى أن الرجل قد يكتري الرحى على أن يبنيها إلى هذه المدة ثم يخرج عند انقضائها فيأتي قول ابن القاسم على أصله فيمن بنى فيما اكترى بإذن صاحب الدار أنه ليس له إذا خرج إلا قيمة بنيانه منقوضا، ويأتي قول يحيى بن يحيى على رواية المدنيين عن مالك أنه من بنى بوجه شبهة على غير وجه التعدي فله قيمة بنيانه قائما، وأما لو عثر على ذلك بحدثان البنيان لوجب أن يكون له قيمة بنيانه قائما قولا واحدا، والتأويل الأول هو الصحيح في المسألة إن شاء الله، وبالله التوفيق..مسألة يكون له المنصب يصيد فيه الحيتان فيشكو جيرانه أن ذلك يضرهم: وسئل عيسى عن الرجل يكون له المنصب يصيد فيه الحيتان الأعوام ثم يشكو جميع جيرانه أن ذلك يضر بهم، أترى أن يمنع ذلك من ضررهم وهو يحتج باستحقاقه ذلك عليهم هذه الأعوام؟ قال: نعم لهم أن يمنعوه.قال محمد بن رشد: وهذا كما قال، إذ ليس لمن يلي النهر من جانبه أن يختص بالصيد فيما يوازي أرضه دون جماعة الناس ولا أن يعمل مصايد فيها يمنع الحيتان أن تجوزها فقال: إنه إن فعل ذلك فشكا جيرانه بعد مدة أن ذلك يضر بهم يريد في أن الحيتان لا تخلص إليهم كان لهم أن يمنعوه، وذلك كما قال، إذ ليس هذا مما يستحق بالقدم لأنه أمر يتكرر ولا يختص جيرانه بالضرر بذلك دون جماعة الناس، وقال: إن لهم أن يمنعوه من الضرر بهم ولم يبين وجه المنع كيف يكون، ووجه الأمر في ذلك أن ينظر إلى ذلك المنصب فإن كان إذا قلع لم يكن له قيمة كانوا بالخيار بين أن يأمروه بقلعه وبين أن يتركوه فيشتركوا في الصيد معه فيه بالسواء، وإن كانت له قيمة إذا قلع كانوا بالخيار بين أن يعطوه قيمته مقلوعا ويشتركون في الصيد فيه معه وبين أن يأمروه بقلعه، هذا الذي يأتي في هذه المسألة على أصولهم. وقد حكى ابن حبيب في الواضحة عن مطرف وابن الماجشون أن أهل هذه المصايد الذين عملوها يبدأون بالاصطياد فيها، فإذا نالوا حاجتهم خلوا بين الناس وبينها يصطادون فيها وبها، وذلك عندي إذا اتفقوا على أن يقروها ولا يقلعوها وتشاحوا في الصيد فيها فأراد أربابها أن ينفردوا بالصيد فيها دون جماعة الناس، وأراد جماعة الناس أن يكونوا معهم شرعا واحدا. وأما إن أراد جماعة الناس أن يجبروهم على القلع فذلك لهم، وإن أرادوا هم أن يقلعوا مصايدهم فذلك لهم إلا أن يعطوهم قيمتها مقلوعة، وهذا بين إذا كانوا عملوا المصايد في موضع لا شبهة لهم في عمله فيه، وأما إن كانوا عملوها من النهر في موضع يليه أرضهم من الناحيتين فيتخرج ذلك على قولين: أحدهما أنهم لا يعذرون بالجهل في ذلك، ويكون الحكم فيه على ما تقدم، والثاني أنهم يعذرون بالجهل في ذلك ولا يكون للناس أن يأخذوها منهم بقيمتها مقلوعة إلا بعد أن يستغلوا منها قيمة نفقتهم فيها، وبالله التوفيق..مسألة بنى رحى جزء منها في أرض جاره على أن يطحن له طعامه: وسئل عن رجل ابتنى رحى فأخرج طرف سده في أرض جاره على أن يطحن طعامه فيها في كل شهر مديا فقال: هذا جائز. قلت له: أرأيت إن لم يوقت الطعام؟ قال: لا يجوز، قيل له: فإذا وقع؟ قال: يعطى صاحب الأرض قيمة ما ترك له من نصف الماء وإخراج السد في أرضه ويكون عليه لصاحب الرحى أجرة ما طحن له على هذا الشرط إذا كان إنما تركه يبني ويخرج سده في أرضه على أن يطحن له ولولا ذلك لمنعه من ذلك ولسأل أن يقاسمه الماء لأن له نصفه وللعامل نصفه. قيل له: أرأيت لو باع صاحب الرحى رحاه قبل أن يفسخ هذا الشرط واشترط على المشتري أن يحمل شرط صاحب الأرض أو علم المشتري بذلك فاشترى ولم يشترط عليه لعلمه بذلك؟ قال: إذن فسخ شراؤه ويكون العمل بين مبتني الرحى وصاحب الأرض على ما فسرت لك إلا أن تفوت الرحى فتلزمه القيمة.قلت: فلو لم يعلم المشتري بذلك ولم يشترطه؟ قال: إذن يكون البيع جائزا ويكون العمل بين المبتني وصاحب الأرض في ذلك كله كما فسرت لك.قال محمد بن رشد: قوله في الذي أخرج طرف سد رحاه في أرض جاره على أن يطحن له فيها طعامه كل شهر مديا إن ذلك جائز معناه إذا ضرب لذلك أجلا لأنه إذا لم يضرب لذلك أجلا لم يجز لأنه مجهول، ويدخل في ذلك اختلاف بالمعنى على ما سنذكره، وأما إذا لم يوقت ما يطحن له من الطعام في كل شهر ففي ذلك اختلاف بالمعنى يجوز على ما حكاه ابن حبيب عن مالك وأصحابه من أنه يجوز أن يواجب الرجل صاحب الحمام على ما احتاج إليه هو وعياله من النورة ودخول الحمام سنة، وأن يواجب الخياط على خياطة ما احتاج إليه هو وأهله من الثياب سنة، وأن يواجب الفران على طبخ ما احتاج إليه هو وأهله من الخبز سنة، أو على طحين ما يحتاج إليه هو وأهله سنة إذا عرف الفران والخياط والطحان وصاحب الحمام ناحية عياله وما يحتاجون إليه مما عولوا عليه، ولا يجوز على مذهب ابن القاسم في المدونة في أنه لا يجوز شيء من ذلك إلا أن يشترط منه أمرا معروفا، فقول عيسى بن دينار في هذه المسألة على قياس قول ابن القاسم في المدونة؛ لأن معنى قوله فيها على أن يطحن له فيها طعامه أو ما يحتاج إليه لنفقته ونفقة عياله، فإذا وقع ذلك على الجهل في أحد الطرفين أو في كليهما على مذهبه وقياس ما في المدونة فهو عقد فاسد يجب فسخه إلا أن يفوت فيصحح بالقيمة، وفواته يكون بإنفاذ السد إلى أرضه فلذلك قال: إنه يعطى صاحب الأرض قيمة ما ترك له من نصف الماء وإخراج السد في أرضه ويكون له على صاحب الرحى أجرة ما طحن له على هذا الشرط؛ لأن هذا هو وجه تصحيح عقدهما بالقيمة لفواته، فإذا باع صاحب الرحى رحاه قبل أن يفسخ الشرط واشترط على المشتري ما كان اشترط عليه صاحب الأرض أو علم بذلك المشتري ودخل عليه كان بيعا فاسدا، فإن فات بما يفوت به البيع الفاسد صحح بالقيمة وصحح ما كان انعقد بين البائع وصاحب الأرض بالقيمة أيضا على ما تقدم، وإن لم يفت رد وكان العمل بين البائع وصاحب الأرض على ما تقدم، وإن لم يعلم المشتري بذلك ولا شرط عليه حمل الشرط كان البيع جائزا وكان العمل بين صاحب الرحى وصاحب الأرض على ما تقدم، فالمسألة كلها صحيحة بينة لا إشكال فيها. وقد اختلف في المعاملة على هذا فقيل: إنها بمعنى الارتفاق ولا يكون الثمن في ذلك إلا معلوما، فإن انهدم السد كان صاحب الرحى بالخيار بين أن يعيده أو يترك إعادته فيرجع موضعه من الأرض إلى ربه وقد وجب له الثمن المسمى على كل حال يستوفي بقيته منه إن كان لم يستوفه، وهو قول ابن الماجشون، والقياس على هذا القول أن يجوز إخراج طرف سد رحاه في أرض جاره على أن يطحن له فيها كل شهر مديا أو ما يحتاج إليه على القول بأنه لا يحتاج إلى توقيت الطعام إذا عرف ناحية عياله ما كانت الرحى قائمة طاحنة من غير أن يضرب لذلك أجلا، وقيل: إنها بمعنى البيع في جميع وجوهه فيكون موضع السد من الأرض لصاحب الرحى بما سمى له من الثمن على كل حال لا يرجع إلى صاحبه على حال، وهو قول مطرف وأصبغ، فعلى هذا القول لابد من تسمية الأجل على كل حال لا يدخل في ذلك اختلاف، وبالله التوفيق..مسألة ليس لمن له إحدى ضفتي النهر أن يبني فيها رحى إلا بإذن الآخر: وسئل عيسى عن رجل ابتنى رحى فأخرج طرف سده في أرض قوم فجعل لهم أياما معلومة من الشهر في الرحى على أن أسلموا له إخراج طرف سده في أرضهم، فقال: إن كان جعلهم شركاء في الرحى بعد أن تتم بقدر تلك الأيام من الشهر وشرطوا للرجل عملا موصوفا ثم يكونون فيه شركاء من الغلة ثم يكون عليهم من إصلاحها إذا خربت والقيام بها مثل ما لهم منها من تلك الأيام فذلك جائز، وإن كان إنما لهم غلتها تلك الأيام فقط ولا شيء لهم من أصل الرحى فلا خير فيه، فإذا فات ذلك بإخراج السد فيه فلهم قيمة أرضهم وعليهم أن يردوا ما أخذوا من الغلة.قال الإمام القاضي: هذا بين على ما قال، إذ ليس لمن له إحدى ضفتي النهر أن يبني فيها رحى وينفذ سده إلى برية غيره الذي له الضفة الأخرى إلا بإذنه ورضاه، فإذا أذن له في ذلك على أن يكون له شرك في أصل الرحى بجزء من الأجزاء يتفقان عليه من نصف، أو ثلث أو ربع أو أقل أو أكثر فذلك جائز إذا تواصفا بنيان الرحى لأنه قد باع منه نصف الماء وموضع إخراج السد في أرضه بالجزء من أصل الرحى مبنية فلابد أن يكون البناء موصوفا معلوما، ولا يجوز أن يأذن له في ذلك على أن يكون له أيام من الشهر من غلتها دون أن يكون له مقدار ذلك من أصلها لأنه غرر، وقد «نهى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن بيع الغرر»، وقد مضى القول في المسألة التي قبلها إذا أذن له في ذلك على أن يطحن له فيها كل شهر كذا وكذا فلا معنى لإعادته، وبالله التوفيق..مسألة أراد الأعلون إنشاء رحى عندهم وذلك يضر برحى الأسفلين: وسئل عيسى عن ساقية بين قوم أعلين وأسفلين، فللأعلين نصفها يسقون بها يومين ثم يسرحون ذلك الماء إلى الأسفلين فيسقون بها يومين، فهذا فعلهم ما احتاجوا إلى السقي، فإن استغنوا سرحوا الماء إلى الأسفلين حتى يقع في النهر الأعظم فأنشأ الأسفلون على الساقية رحى فطحنت زمانا في غير أيام السقي، ثم أراد الأعلون إنشاء رحى عندهم وذلك يضر برحى الأسفلين فأرادوا دفعهم وادعوا بأنهم سبقوهم إلى العمل، فقال: إن كان أراد الأعلون إنشاء رحى عندهم أنشأوها إن أحبوا ثم اقتسموا الماء كله كما كانوا يقتسمون يومين يومين، فإذا كان يوم الأعلين طحنوا فيها وسقوا وصنعوا بمائهم ما شاءوا ثم أرسلوا على الأسفلين فطحنوا في يوميهم أيضا وسقوا وصنعوا ما شاؤوا، قال: وإن أراد الأعلون أو الأسفلون قسمة الساقية بنصفين وكره ذلك الآخرون لم يكن لهم أن يقتسموها إلا باجتماعهم لأن في ذلك ضررا عليهم لأنه يصير عليهم ما كانوا يسقون به في يومين لا يسقون به إلا في أربعة فيكثر عناؤهم ويضر ذلك بهم.قال الإمام القاضي: المعنى في هذه المسألة أن الأعلين أرادوا أن يعملوا على ذلك الماء رحى في حقهم وأرضهم على غير الساقية التي يمر عليها الماء إلى الأسفلين أو عليها بعينها على صفة لا يمكن الأسفلين السقي ولا الطحن بما يصل إليهم من الماء حتى يغلقوا رحاهم ويردوا الماء على ساقيته القديمة أو على حالته الأولى أو يمكنهم ذلك بنقص يدخل عليهم فيه، ولهذا قال: إن الأسفلين إذا سبقوا إلى العمل كان للأعلين أن يعملوا فيقتسموا الماء على ما كانوا يقتسمونه عليه، فإذا كان يوم سقيهم صنعوا بمائهم ما شاؤوا من سقي أو طحن، إذا كان يوم الأسفلين عقلوا رحاهم وصرفوا الماء على ساقيته أو حالته إلى الأسفلين فصنعوا به ما شاؤوا..مسألة من سقي أو طحن لأن الضرر يرتفع عن الأسفلين بهذا في حقوقهم: أيضا من سقي أو طحن لأن الضرر يرتفع عن الأسفلين بهذا في حقوقهم، ولو لم يرتفع الضرر به عنهم في حقهم لمنعوا من إنشاء الرحى جملة، ولو أراد الأعلون أن ينشئوا في حقهم رحى على هذه الصفة فيطحنوا فيها أيام سقيهم وأيام استغناء الأسفلين عن السقي ابتداء قبل أن ينشئ الأسفلون رحى في أرضهم لكان ذلك لهم على قياس هذه الرواية، ولم يكن ذلك لهم على ما حكى ابن حبيب عن مطرف وابن الماجشون وأصبغ قالوا: إن الأشياء تتقادم والعلم يدرس فيصير ذلك استحقاقا لهم على الأسفلين وحقا لهم دونهم ولا حجة للأعلين على الأسفلين في إنشاء رحى على ذلك الماء في حقهم بحال؛ لأنهم لا يملكون من الماء ومن استحقاقه إلا ما يأتيهم من الأعلين من شرب يومهم، وهذه المسألة لا تخلو من سبعة أوجه: أحدها أن يكون كل واحد منهما من الأعلى والأسفل إن أنشأ رحى على الساقية في حقه طحنا جميعا معا في غير أيام السقي ولم يضر أحدهما بصاحبه في نقص طحن ولا غير ذلك، فهذا لمن شاء منهما أن ينشئ رحى في حقه فيطحن فيها في غير أيام السقي ولا كلام لصاحبه كان الأعلى أو الأسفل لأنه يقدر أن ينشئ رحى في حقه متى شاء فيطحنا جميعا من غير أن يضر أحدهما بصاحبه، والثاني أن يكون كل واحد منهما من الأعلى والأسفل إن أنشأ رحى في حقه لم يمكن صاحبه أن ينشئ رحى في حقه فيمكنه الطحن فيها إلا بهدم الرحى الأولى، فهذا ليس لأحدهما أن ينشئ رحى في حقه إلا بإذن صاحبه ورضاه، فإن بدر وبنى كان لصاحبه أن يهدمها عليه إلا أن يتراضيا على شيء يجوز بينهما، والثالث أن يكون كل واحد منهما من الأعلى والأسفل إن أنشأ رحى في حقه لم يمكن صاحبه أن ينشئ رحى في حقه فيمكنه الطحن فيها إلا بقطع الماء عن الرحى الأولى وتبطيل الطحن فيها فهذا لمن شاء منهما أن ينشئ رحى في حقه فيطحن فيها في غير أيام السقي ما لم ينشئ صاحبه رحى في حقه، فإن أنشأ رحى في حقه اقتسما الماء على حقهما يومين يومين أو أقل أو أكثر فيطحن كل واحد منهما في حقه ثم يقطع الماء عن رحاه ويعطلها حتى يطحن صاحبه في حقه هكذا أبدا، والرابع أن يكون إن أنشأ الأعلى رحى في حقه أضر ذلك برحى الأسفل إلا أن يقطع الماء عن رحاه ويعطلها، وإن أنشأ الأسفل رحى في حقه لم يضر ذلك بالأعلى، فهذا هو الوجه الذي تكلم عليه عيسى بن دينار في هذه الرواية، وقد مضى القول عليه، والخامس عكس هذا الوجه الرابع، وهو إن أنشأ الأعلى رحى في حقه لم يضر ذلك بالأسفل، وإن أنشأ الأسفل رحى في حقه أضر ذلك بالأعلى إلا أن يقطع الماء عن رحاه ويعطلها، والجواب فيه عكس الجواب في الوجه الرابع إلا أنه لا يدخل فيه قول مطرف وابن الماجشون وأصبغ، والسادس أن يكون إن أحدث الأعلى في حقه رحى لم يمكن الأسفل أن يحدث في حقه رحى فيمكنه الطحن فيها إلا بعد هدم رحى الأعلى، وإن أحدث الأسفل في حقه رحى لم يضر ذلك بالأعلى، فهذا ليس للأعلى أن يحدث في حقه رحى ابتداء، ولا بعد أن أحدث الأسفل إلا بإذنه ورضاه، وللأسفل أن يحدث في حقه رحى يطحن فيها في غير أيام السقي ولا كلام للأعلى في ذلك، والسابع عكس هذا الوجه السادس، وهو إن أحدث الأعلى رحى في حقه لم يضر ذلك بالأسفل، وإن أحدث الأسفل في حقه رحى لم يمكن الأعلى أن يحدث في حقه رحى فينتفع بالطحن فيها، والجواب فيه عكس الجواب في الوجه السادس ليس للأسفل أن يحدث في حقه رحى ابتداء ولا بعد إحداث الأعلى، وللأعلى أن يحدث في حقه رحى فيطحن فيها في غير أيام السقي ولا كلام للأسفل في ذلك، وبالله التوفيق.
|